الأربعاء , أبريل 24 2024

من فهم الحياة: الدنيا دارُ جدٍ وعمل

شاع بين الناس اليوم نظرة الغرب للحياة الدنيا، وهي أن الدنيا دار متعة وتسلية وترفيه، فتراه يعمل في النهار ليصرف ما جناه في جوف الليل على متعه ولهوه، وهذا مخالف لمفهوم الإسلام للحياة ونظرة الدين للدنيا. فالدنيا دار جدٍ وعمل من أجل الآخرة، أي أنها مزرعة الآخرة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم والطبراني.

فالدنيا دار جدٍ وعمل، وهذا لا ينفي المرح أو المزاح بالضوابط الشرعية أو التسلية للترفيه عن النفس لكن باعتدال. ومقياس هذا الاعتدال هو فهمنا أن الدنيا مقر عمل، وأما الجزاء فهو في الآخرة. وما قد تحصل عليه في الدنيا من متع وتسلية إنما هو من باب دب النشاط ومساعدتها على عدم تسلل الملل لها وليس جزاءً لما عملت من عمل فالجزاء في الآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ لَهوٍ باطلٌ غيرَ تأديبِ الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بسهمه) رواه النسائي: كتاب الخيل، وأخرجه أيضًا أحمد، وأبو داود في كتاب الجهاد، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. لكن الله أرحم بنا فقد وعد من يعمل صالحاً بأنه سيأخذ جزاء محدداً في الدنيا بكرمه ومنه سبحانه وهو الحياة الطيبة:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل 97.

وعلى العاقل أن يقوم بتقييم عمله وهل حجم إنجازه يقارن بالوقت المصروف له. ثم يقارن هذا الإنجاز بإنجازات الصحابة الكرام والصالحين والمشايخ. ثم يسأل نفسه أين نحن من هؤلاء العظام!.

وأسوأ ما قد يقع فيه المرء هو التسويف، يقول لنفسه سأفعل غداً، سأعمل فيما بعد، سأقوم بالتنفيذ قريباً… انظر ماذا يقول عمر بن عبد العزيز: لا يصح أن أؤجل عمل اليوم إلى الغد ولو كان حقيراً، فإذا كان عمل يوم واحد أتعبنى، فكيف لو أخرته للغد واجتمع علىّ عملان فى يوم بدل عمل واحد .وعلة هذا التسويف عدم الفهم وطول الأمل ونسيان الآخرة. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي).

ونحن في الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية وبصحبتنا لسيدنا الشيخ حسني الشريف حفظه الله تعلمنا بطريقة عملية حقيقة الدنيا وكيف أنها مزرعة الآخرة، وكيف نعمل في سبيل الله، فلا يكفي أن نسعى على رزق عيالنا، بل علينا أن نهتم بأمر المسلمين من فقراء وأيتام ومحتاجين ونمد لهم يد المساعدة، وأن نضع بصمتنا في بناء نهضة الأمة المطلوب، كما علينا أن نكون دعاة خير للإسلام الوسطي الذي يقبل الجميع من خلال تقديم النموذج المعاصر المعتدل.

وقد منّ الله علينا بسيدنا الشيخ حفظه الله، حيث أسس مجموعةً من المؤسسات الخيرية يستطيع المرء من خلالها تطبيق فهمه للحياة ونظرته الصحيحة للعمل، فمن أراد مساعدة الفقراء فيمكنه بذل الجهد في جمعية دار الإيمان الخيرية. ومن أراد تقديم الطعام للمحتاجين فيمكنه العمل في تكية دار الإيمان. ومن أراد أن يخالط يتيماً ويساعده في دروسة ويساهم في تشكيل شخصيته المستقرة الناجحة فيمكنه أن يعمل في مثابة دار الإيمان لرعاية وإيواء الأيتام. ومن وجد لديه القدرة على تعليم القرآن الكريم فيمكنه أن يدرس أحكام التلاوة في دار الإيمان لتعليم القرآن. وأما من وجد في نفسه القدرة على تربية الآخرين فيمكنه أن يساعد في تربية الطلاب في سكن الطلاب. ومن أراد العلم والتعلم فهذا مسجد دار الإيمان وفيه الدروس والمحاضرات وعلوم القران والذكر والاوراد ومجالسة الذاكرين وفيه التربية وعلوم التزكية لحظاً ولفظاً وفيه أحوال الإيمان والروح وخلجات الأفئدة وصحبة الأخيار، وفيه بيئة الاخوة الإسلامية الصادقة. وأما من ملك مهارة التعليم فيمكنه أن يدرس في مدارس الدرة الشريفة. وكل هذا العمل الخيري لا يؤثر على سعيه على رزق عياله.