من فهم الحياة: الوقت هو الحياة

كان سيدنا الشيخ خير الدين الشريف رحمه الله،كثيراً ما يقول مخاطباً مريديه: (يا إخواننا ما في وقت) حتى اشتهرت عنه هذه الكلمة، وكان يرمي بها إلى ضرورة الجد والعمل وبذل الجهد وذلك لضيق الوقت، بمعنى أن الأعمال المطلوبة أكثر من الأوقات. وهذا هو الفهم الصحيح للحياة.

فالوقت لغةً هو الجزء المعين من الزمن، أما عند الفقهاء فهو الزمن المحدد لأداء عبادة ما، فوقت صلاة الصبح هو من وقت ظهور الفجر الصادق وحتى شروق الشمس. أما الوقت عند العلماء الربانيون والمشايخ المربون فهو الحياة نفسها. ولهذا تراهم لا يضيعون وقتهم إلا بما ينفع. لأنه عندما يولد الإنسان يوضع له رأسماله من الدقائق في بنك الحياة. يقول الحسن البصري: يا ابن آدم انما أنت أيام كلما ذهب يومك ذهب بعضك. ويقول أيضاً: (أدركت أقواماً كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهمكم، يقول: كما لا يخرج أحدكم ديناراً ولا درهماً إلا فيما يعود عليهم نفعه، كذلك لا يحبون أن يخرجوا ساعة من أعمارهم إلا فيما يعود عليهم نفعه).

ومن أجمل ما يتعلمه المريد من صحبة الشيخ المرشد هو إدارته للوقت، فكما يتعلم التاجر كيف يدير رأسماله ليعود عليه بالفائدة، يتعلم المريد من شيخه كيف يدير يومه وليلته وماذا يصنع فيهما. فلا يوجد وقت مهدور ولا وقت ضائع، ولا ساعات محددة للعمل. لأن اليوم كله للعمل، فهناك العمل لكسب الرزق، وهناك العمل لخدمة الدين، وهناك العبادة والأوراد والأذكار، وهناك التعلم واكتساب الخبرات والمعارف، وهناك وقت للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. وفي آخر النهار يجلس على فراشه ليحاسب نفسه على تقصيرها في جنب الله، قال سيدنا رسول الله e (لا تزولا قدم عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن… الحديث) رواه الترمذي في باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص، وقال حديث حسن. أي أن الإنسان مسؤول أمام الله تعالى عن عمره كله لا عن بعض الأوقات فقط. قال ابن عطاء الله (هو تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله السكندري، أبو العباس، وأبو الفضل، المالكي الشاذلي. صحب الشيخ أبا العباس المرسي وصنف مناقبه ومناقب شيخه أبو الحسن الشاذلي، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه، ألّف الكثير من المؤلفات من أشهرها الحكم العطائية) في الحكم (حقوقٌ في الأوقات يمكن قضاؤها وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها، إذ ما من وقت يرد إلا ولله عليك فيه حقٌ جديد وأمرٌ أكيد، فكيف تقضي فيه حق غيره وأنت لم تقض حق الله فيه). أي كيف يتسع الوقت لقضاء حق غيره مع أن فيه حقاً عليك أداؤه.

ومن الناحية العملية فإن الانجازات لا تأخذ قيمتها إلا عندما تتم في وقت قصير!  ولهذا يقاس عمر الانسان بانجازاته وليس بعدد السنوات التي عاشها!

ومما تعلمناه من سيدنا الشيخ حسني الشريف ضرورة وضع أهداف كبيرة والسعي لتحقيقها لترك بصمة في الحياة. وحاله في ذلك حال بن عقيل الحنبلى إذ يقول: (إنى لا يحل لى أن أضيع ساعة من عمرى، فإذا تعطل لسانى وبصرى عن مذاكرة أو مطالعة، أعملتُ فكرى حال راحتى وأنا مستريح).

ولذلك أكّد حضرة سيدنا حسني الشريف نفعنا الله بعلومه على أهمية تطبيق نظرية الاحتساب وهي أن يحتسب المرء أجر أي فعل يريد أن يفعله عند الله تعالى، لأن النية كما قال العلماء تقلب العادة عبادة. فإن أراد تناول الطعام مثلاً ينوي التقوّي على طاعة الله، وعندما يخرج من بيته صباحاً إلى عمله فليستحضر نية السعي على رزق العيال لوجه الله تعالى، وإن قرأ كتاباً أو مقالاً فلا بأس بأن ينوي التزود بالعلم لخدمة الدين…الخ. وبتطبيق استحضار نية طيبة عند كل عملٍ نقوم به في حياتنا اليومية وجعله خالصاً لوجه الله تعالى يتعود المرء على المراقبة والتي هي عمود السلوك ومحوره، ومن ثمرات هذه النظرية أيضاً ألا يقع في المعاصي إذ كيف يستطيع المرء أن يفعل معصية وهو ينوي قبل أي فعل يريد فعله احتسابه عند الله تعالى. وبهذه الطريقة العملية التي علمنا إياها سيدنا الشيخ يصبح كل فعل نقوم به خالصاً لوجه الله تعالى وتتحول أيامنا وحياتنا كلها لله جلّ في علاه. وهذا هو التطبيق الصحيح لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه) أخرجه الترمذي وابن ماجة وقال .الترمذي حديث حسن غريب، ورواه السيوطي في الجامع الصغير في المجلد الثاني عن أبا هريرة وقال حديث حسن.