لغة الود وحال الاستبدال

لغة الود وحال الاستبدال :
وصف الله الإنسان بأنه كنود، “إن الإنسان لربه لكنود”، أي جاحد! خير الله إليه نازل ومعاصي الإنسان إلى الله صاعدة!

خاطبنا الله بلغة الحب، وأرادنا أن نتحاكى فيما بيننا بهذه اللغة، وفي علاقتنا بربنا. اتقان هذه اللغة يجعلنا نسير في الاتجاه الصحيح، وإن خالفناها خالفَنا كل شيء.

اللغة السائدة في هذا الزمان الرديء هي لغة الكراهية والضغائن السود والأحقاد والشتم واللعن وسوء الظن، وبالتالي التحصيل الحاصل أننا في الدرك الأسفل، وبفعل أيدينا، وقد سبقتنا كل الأمم.

تخلينا عن كل ما يمكن أن يصعد بنا إلى معالي الأمور، فانحطت قيمنا وأخلاقنا ولغتنا وخطابنا لبعضنا وأحوالنا …

لغة الحب هذه هي التي تفتح المغاليق، هي اللغة التي خاطبنا بها الله عز وجل. أوجدنا من العدم، ثم أسبغ علينا نعمه، ثم تجلى علينا بالستر رغم معاصينا، ويمهلنا، وينتظر توبتنا.

ورد خطاب محبة الله لنا في القرآن خمس عشرة مرة، ووردت الكراهية مرة واحدة، مع ملاحظة حسن الخطاب كالتالي “ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم”، عندما ذكر المحبة ذكرها للذوات، لشخص المتقي والمحسن والمقسط…. لكن في المرة الواحدة التي ذكر فيها الكراهية ذكرها للفعل، فكره فعل الإنسان ولم يكره شخص الإنسان. هكذا هو خطاب ربنا، وانظروا إلى خطابنا نحن! على النقيض تماما!

ومن نفس الآية “ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم”، أخشى أننا في هذا الزمان من سوءتنا وعيوبنا التي ظهرت كره انبعاثنا فثبطنا! راقبوا خطابنا إن اختلفنا حول مسألة!

من سنن الله أنه يجري عملية استبدال، “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”، وهذا ظاهر في تاريخنا الإسلامي، كل من حاد عن السبيل جاء بنقيضه…

ربنا لا ينظر إلى توافه الأمور والتفصيل، لكنه ينظر إلى القلوب المتعلقة به. الذي لبى نداء الله في الخلافة في الأرض على الوجه الذي أراده يستعمله أيا يكن. أما نحن اليوم فنتعامل بعنجهية، فشلنا وتأخرنا … بكل ما فينا من صفات ذميمة ولا زلنا نتعاطى بعنجهية!

بعد الخلفاء الراشدين انغمس الأمويون في متع الدنيا فجيء بنقيضهم، ثم تعلق العباسيون بالمتع والجواري والضياع واستبدلوا، …. هذا على المستوى الدول والحضارات، أيضا على مستوى المدارس الإسلامية، في حقبة من الحقب كان التصوف حاملا للواء الدين عبر قرون، فلما دخلت فيه الدواخل وصار مطية لأرباب الهوى استبدل…

تعمل لدين الله تستخدم، لكن تمتطي دين الله من أجل الدنيا تستبدل.

تعرفون قصة جحا مع شيخه المقيم على مقام يدعي أنه لأحد الصالحين، … خلاصة القصة أن جحا أخذ أتانا “حمار” من شيخه ومات الحمار في الطريق فدفنه جحا، وخطر بباله أن يجعل منه مقاما مدعيا أنه لرجل صالح، وتكسب من هذا الأمر مستغلا جهل الجاهلين، فنافس شيخه في هذا،…. خلاصة القصة أن قامت شركة بينه وبين شيخه، وتبين أن المقام الذي يقوم عليه شيخه أنه لوالد الحمار… الشاهد هو حالة التردي التي وصلوا إليها في القرن الثامن، وهو حال تردٍ يشبه كثيرا حالنا فالحل هو الاستبدال بدل الاستعمال.

عودة للغة الحب، سمى الله نفسه “الودود” وليس “المحب”، والفرق بينهما هو أن الحب حالة قلبية تستقر في القلب قد يعبر عنها الإنسان وقد لا يعبر، أما الود فهو التعبير عن الحب، فهو يريد منا أن نتحابب، وعكسه التنافر والتباغض، (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)، كفارا، أي يكفر بعضكم بعضا! داعش تقتل فتاتين لأنهما تحدثتا بما يخالف التنظيم، قبل أسبوع اقتتل المصلون في أحد المساجد بسبب خلافهم حول من يقف في الصف الأول في المسجد! أي دينٍ هذا!

لو وجد الحب لما حصل كل هذا، الحب وهو كامن لا يؤدي الدور الاجتماعي، لكن الود يفعل، لذلك سمى الله نفسه “الودود”. عندما جاء رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إني أحب فلانا، قال: أوأخبرته؟ قال: لا، قال: ويحك، فأخبره. لماذا؟ لتشيع المحبة. قال صلى الله عليه وسلم (إذا أحب أحدا منكم أحدا فليخبره).

كل الشواهد اليوم تدل على أنه تجري الآن عملية استبدال، فرطنا في القيم والمثل العليا والأهداف السامية والدور المطلوب رغم الإمكانات التي تجري بين أيدينا بالتريليونات وذهبنا إلى الشهوات والملذات، لسنا أعز على الله من بني أمية أو بني العباس، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، يجري الاستبدال، وعندما شعروا أنهم في ذيل الركب ذهبوا للاقتتال، وماذا عن العدو الحقيقي والخصم؟! ووالله ثم والله ما جرى الاستبدال إلا عندما استدبرنا الأقصى!

وفي هذه الحالة، وظرف الفتنة الذي نعيش، ينطبق علينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكام الفتنة (عليك بنفسك واترك عنك أمر العامة)، وأنا أنزه لساني، وأطلب من إخواننا أن ينزهوا ألسنتهم أن يخوضوا في مخاض الفتنة هذا، فهي لغة حيوانية، شتائم ولعن وسوء ظن …. احذر حتى تنجو من هذا المستنقع، فهو مستنقع يجلب مقت الله وغضبه، فلا نخوض فيه.

ومن أشعل هذه الفتنة فقد أشعلها لغرض دنيوي لا أخروي، ولا لنصرة دين، ومن الطرفين! عليك بنفسك، ومن أراد الله أن يستعمله فسيأتي كائنا من كان، شئنا أم أبينا! هناك تغيير قادم واستبدال يذهب بالطالح ويأتي بالصالح، وهو استبدال سريع.

أسأل الله أن يخلقنا بأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن لا يوقع فينا ما قاله لمعاذ (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، نسأل الله أن يحصن ألسنتنا من الوقوع في السوء، وأن يستعملنا ويستخدمنا ولا يستبدلنا، فإنا إليه راغبون، الله إنا إليك نرغب فاستخدمنا ولا تستبدلنا، والحمد لله رب العالمين.

شاهد أيضاً

الشيخ حسني حسن الشريف

أهل بدر و الأنفال

درس حضرة سيدنا الشيخ حسني حسن الشريف فجر يوم الجمعة 12 رجب 1444هـ الموافق 3 …